منتديات الغلاباوى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الغلاباوى

المنتدى الافضل منتدى الشباب من الشباب للشباب هنتكلم هنعبر هنرفض هنصلح هنضحك هندردش هنتعلم وهنثبت وجودنا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 $$ قصــــــــة الثلــــــــج $$

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الغلاباويه الكبيره
Admin
Admin
الغلاباويه الكبيره


انثى
عدد الرسائل : 1056
العمر : 37
المزاج : الحمد لله عال العال
SMS :


My SMS
رب أعنى على تغير ماينبغى لى تغيره ... وعلى تقبل مالا استطيع تغيره .... وهبنى الحكمه للتفرقه بينهما ..... ويارب غلاباوى يكون اكبر منتدى ف الدنيا


تاريخ التسجيل : 30/08/2007

$$ قصــــــــة الثلــــــــج $$ Empty
مُساهمةموضوع: $$ قصــــــــة الثلــــــــج $$   $$ قصــــــــة الثلــــــــج $$ Icon_minitimeالسبت أكتوبر 27, 2007 5:35 pm

الثلج




كان كئيبا ذلك الخواء، كئيبا كيد تمتد في السماء ، يد سوداء تقبض على مجامع قلبه فتعصره كالاسفنجة و تقوده إلى مسكنه .
تسلل خفية و اتجه رأسا إلى مكتبه . لم يراجع لسلمى دروسها ،لم يلاعب أسامة . انطوى خلف مكتبه مقابلا بياض أوراقه . لم يكن يرغب في شيء . اليد السوداء تنمو و تتفرع حتى تغطي الأفق كأخطبوط خرافي ، و لم يعد هناك إلاّ السواد.
طرح جبهته على بياض أوراقه و أعفى نفسه من القلم . مايُكتب هذه الأيام فظيع ، أشد سوادا من السواد ، أبعد من الجنون ، من أكلة اللحم البشري ، من العصر الحجري، أبعد من قابيل و هابيل.
ـ ما عساك تكتب و كتبة الدراما الفعليون هم الساسة الشرسون ، الإخوة الأعداء؟!
و غمره أريج زوجته تدنو على مهل بفنجان القهوة ، وضعت أمامه الفنجان و نامت على كتفيه . إنها تحفظه كقصيدة شعر ،عشرة أعوام من الوئام تكفي و تزيد لتفهم مصدر أية نأمة منه، تعي جيدا متى يرغب في العزلة و الاستجابة لسحر الحرف و إغواء الكتابة ، ضرتها التي لا تغار منها ، فتضع أمامه القهوة و تأخذ ولديها إلى غرفتهما .
همت بالانسحاب فأمسكها من يدها، رفع إليها بصره ، أحس بالتلاشي في مروج عينيها و هي ترنو إليه يلبس مسوح الكتابة ، يتدفأ بنار الحرف. لحظات و سحبت يدها هامسة:
ـ اكتب ، يجب أن تكتب، سأقرأفي الصباح ما كتبت.
و كان يصيح في أعماقه : لا،لا تخرجي ، لا تتركيني، انطفأت الكلمات و جاء الظلام و الزمهرير، دثريني ، زمليني ...
أغلقت الباب ، وجد نفسه تارة أخرى وجها لوجه مع أوراقه المبسوطة ،مساحات شاسعة من البياض ، و صوت ولديه صار ينأى شيئا فشيئا خلف مسافات الثلج و يتلاشى في العدم.
لم يعد هناك إلاّ الثلج ينهمر في سكون ، و القلم في يده صار عودا أعجف يخط به كلمات مبهمة.
و ما إن ينهي السطر و يلتفت إلى قراءته حتى تكون أرياش الثلج قد غمرته و محت الكلمات، و هو منهمك عبثا يحاول إقامة السطر.
و أخذته مساحات الثلج ، ألفى نفسه يخبط في رحلة غريبة بلا بوصلة ، بلا خريطة.
ـ إلى أين المسير يا أستاذ؟
وجه طلع عليه من ثنايا الأعوام و الزحام ،لأيا ما تعرف عليه، تلميذ كان يجلس في آخر الصف حيِيًّا كتوما.
ـ كيف تنسى تلاميذك يا سيدي؟ هات يدك أساعدك فالثلج غزير.
لم يلتفت إليه، سار لا يسمع إلا وقع أقدامه تسوخ إلى الكعبين ، و وقع قلمه الأعجف الذي اتخذه الآن عصا يتوكأ عليها.
و انحنى يتلمس كرة انزلقت رجله فوقها فجأة ، و إذا هي رأس آدمية مازال دمها يشخب!
ـ انتبه يا أستاذ ، إنك دست على رأس عمار بن ياسر ، أول رأس تقطع في الإسلام ، لقد قلت لنا:
قطعها جيش معاوية في حرب صفين.
وقف ينفض عنها الثلج و يقرأ سورة الفاتحة.
ـ ألقها يا أستاذ ، و هيا قبل أن يغمرنا الثلج.
و انزلقت رجله فوق كرة ثانية .
ـ هذه ثاني رأس تقطع في الإسلام، إنها رأس عمرو بن الحمق، قلت لنا إنه من صحابة الرسول، كان في صف علي و اشترك في قتل عثمان .
حاول القيام من سقطته مستندا على كتف تلميذه فتعثر برأس ثالثة ، و مساحات الثلج صارت بلا نهايات ، و الصوت اللجوج لا يرحمه:
ـ أما هذه فرأس محمد بن أبي بكر الصديق، قطعها الأمويون و حملوها إلى الشام. و أما الجثة فوضعت في جلد حمار و أحرقت.
ـ و هذه رأس الحسين بن علي قطعت في كربلاء ، و طُوف بها بين الكوفة و دمشق .
ـ هذه رأس مصعب بن الزبير ظلت تنقل من الكوفة ألى مصر إلى دمشق.
ـ ياأستاذ، عن أي رأس تنفض الثلج ؟ أينما وليت شطرك فثمة رأس مقطوع.
لم يعد في وسعه أن يضبط قدميه ليتجنب الرؤوس المبتورة إنما أرسل لسانه يلهج بسورة الفاتحة.
كان مبهوتا ، من أين لتلميذه الذي لازم الصف الأخير سنين هذه المعارف؟ سنين و هو صامت قابع يهرش رأسه، كيف انحلت عقدة لسانه ؟متى حفظ عنه كل هذا ليكون اليوم دليله في هذه الصحراء من الثلج ؟تتقرقع الرؤوس تحت قدميه و لايتعثر، لا يتعكر ، يعددها واحدا فواحدا، رؤوس عبدالله بن الزبير و رفاقه تقطع في مكة، رأس محمد بن عبدالله الملقب بالنفس الزكية، رؤوس بلا هوية جدعت أنوفها، واقتلعت عيونها، يسميها و يسرد قصصها، و في الصوت حدة و في العينين شعلة...
ـ أينما وليت وجهك، أينما وضعت قدمك، الثلج، الثلج سربلك وغطى حاجبيك.
و أعشاه الثلج، تنادت الأشباح من كل جهة، يراهم يتحركون في المساحات الشاسعة كالدببة، يتهالكون في حفر الثلج بأظافرهم.
ـ إنهم بنو العباس ينبشون قبور بني أمية، وقد فتحوا دمشق و أعملوا السيف في أهلها ، و أنت الآن تمشي فوق خمسين ألف جثة قرب المسجد الأموي تحمحم بداخله خيول بني العباس سبعين يوما اسطبلا.
و رآهم يخرجون الجثة من قبرها ثم يشرعون في جلدها و هم يزمجرون.
ـ عجبا يا أستاذ! كيف تسأل لمن الجثة؟ و أنت من أخبرنا أنها لهشام بن عبدالملك و قد أحرقوها و ذروا رمادها بعد جلدها.
و غطى عينيه بكفيه: نفر من الحراس الغلاظ يمسكون بصبية في عمر الزهور، يقطعونهم بالسكاكين، ثم يبسطون فراشهم على أشلائهم التي ما تزال تتلوى و تنتفض و يقعدون يأكلون و يقهقهون ، و الثلج ينهمر بلا انقطاع ، و امرأة ذهب عقلها تقتعد الثلج ، تصرخ و تضرب فخذيها بكفيها:" و الله ما كانوا يقتلون في الجاهلية و الإسلام، و الله إن سلطانا لا يقوم إلاّ على قتل الصبي الصغير و الشيخ الكبير و نزع الرحمة لسلطان شيطان ..."
ـ لا تدر وجهك يا أستاذ إنهم بنو العباس يبيدون نسل بني أمية.
و أسلم قياده لتلميذه يعبر به ثلاثية الصولجان و السيف و النطع. و قد صار الثلج ينز دما، أينما وطئت قدمه تطايرت من تحتها الدماء ترشها.
ـ لا تغمض عينك، انظر ما ترى، ثلج، دم، جثث، أشلاء، مزق.
ـ...أم،م،م،م
ـ تماسكْ، لا تسرفْ في الرثاء، إنهم طحين المرحلة، و حدق هنا ، محاجر بلا عيون ، أفواه فاغرة بلا أسنان ، أصابع بلا أظافر ، صدور محفورة، سواعد منشورة، أفخاذ مبضعة... هذا الديكور الدموي، هذه الأرض الخراب، رماد المصانع، حطام الجسور، العربات المفحمة ، و المدارس المفجرة ألم تر كيف فعلت بها كتائبنا؟ و مع ذلك ما زلت تُصرُّ، تحمل القمطر و تصابح تلاميذك بوجه ممسوح بالعجرفة. ألم يأتكم النذير؟ لا مصنع، لا مؤسسة ، لا حركة، سيخر البلد أرضا، سيصير رمادا ، هباء منثورا و مقبرة.
و تقلبت شفتا التلميذ كرئتين تالفتين وهو يدمدم في أذن أستاذه، و قد انتقلت قبضته إلى القفا ، و صار الآن يدفعه دفعا.
ـ إنهم في انتظارنا.
تحلق عليه رهط يتحزمون على جلد النمور، قلبه يجوب الذكر الحكيم، و تلميذه ما زال يقبض عليه من القفا وسط الحلقة، حلوا ربطة عنقه و أوثقوا بها يديه خلف ظهره. و أصدر كبيرهم الأمر:
ـ أضربه يهوي على ركبتيه.
سل تلميذه السكين من نطاقه . دمدم كبيرهم مرة أخرى:
ـ ماتيسر من سورة الأنفال.
ألوى عنق أستاذه، وضع حد السكين على حد العنق:" سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب، فاضربوا فوق الأعناق ، و اضربوا منهم كل بنان..."
و هبت السكين تنهب العنق من الوريد إلى الوريد. اهتز عرش الرحمن، طارت الملائكة تخفق سحيقا ، مسح سكينه في كمه ، غمس أصبعه في بركة الدم و كتب اسمه على الثلج.
و ظل الأستاذ مقلوبا كسلة مهملات ، و كان الثلج ينهمر ، يمحو كل أثر ، كل سطر...
******************

بعد عام ، وقفت زوجته تقرأ على ولديها قصاصة عثرت عليها في أوراقه :"إذا ما اخترقت رأسي رصاصة، أو حزت سكين عنقي فاعلما أن والدكما قد رفض الانصياع لنداء الجهل، ومات محترقا بنار الحرف. لكما والدتكما التي أسعدتني بحبها العظيم، ثم لكما الله من قبل و من بعد ، والدكما."
منقوله عن احد الكتاب الجدد (خليف محفوظ)
تقبلوا خالص تقديرى
flower مى flower
flower
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://glabawey21.ahlamontada.com
 
$$ قصــــــــة الثلــــــــج $$
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الغلاباوى :: غلاباوى الثقافه والابداع الادبى :: القصص والكتابات-
انتقل الى: